فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأعراف: الآيات 11- 12]

{وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)}.

.الإعراب:

{وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} الواو استئنافية، والكلام مستأنف مسوق للتذكير بالنعمة السارية من آدم إلى ذريته، والتي تستوجب الشكران الدائم. واللام جواب قسم محذوف، وقد حرف تحقيق، وخلقناكم فعل وفاعل ومفعول به، ثم حرف عطف للترتيب والمهلة، وصورناكم عطف على خلقناكم، وتوجيه الخطاب إلى المخاطبين مع أن المراد آدم هو تأكيد معنى الشكران للنعمة السابغة، ثم قلنا للملائكة عطف على ما تقدم، وللملائكة جار ومجرور متعلقان بقلنا، واسجدوا فعل أمر، والواو فاعل، والجملة في محل نصب مقول القول، ولآدم جار ومجرور متعلقان بقوله: اسجدوا {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} الفاء للترتيب مع التعقيب، كأنما امتثلوا للأمر فور صدوره، وسجدوا فعل وفاعل، وإلا أداة استثناء وإبليس مستثنى من فاعل سجدوا، وجملة لم يكن من الساجدين إما استئنافية كأنها جواب عن سؤال مقدر، ويجوز أن تكون حالية، أي: إلا إبليس حال كونه ممتنعا من السجود، ومن الساجدين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر يكن {قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} ما اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، وجملة منعك في محل رفع خبرها، والمعنى: أي شيء منعك. وأن وما بعدها في موضع نصب بنزع الخافض، أي: ما منعك من السجود. وإذ ظرف ماض متعلق بتسجد، أي: ما منعك من السجود وقت أمري إياك به.
ولا زائدة لتأكيد معنى النفي، وجملة أمرتك في محل جر بالإضافة {قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} جملة القول مستأنفة مسوقة لجواب إبليس عن السؤال الناشئ عن حكاية عدم سجوده، وأنا مبتدأ، وخير خبر، ومنه جار ومجرور متعلقان بخير، وجملة خلقتني لا محل لها لأنها مسوقة لتعليل ما ادعاه غرورا واستكبارا من فضله على آدم. ومن نار جار ومجرور متعلقان بخلقتني، وجملة خلقتني من طين عطف على سابقتها.

.البلاغة:

في قوله: {ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك} فنّ التوهيم، وقد تقدم الإلماع إليه. أي أن يأتي المتكلم بكلمة يوهم ما بعدها من الكلام أن المتكلم أراد تصحيفها أو تحريفها أو اختلاف إعرابها أو اختلاف معناها. فإن الظاهر ما منعك من السجود. والتأويل الذي يرد هذا الكلام أن العلماء قالوا: ما منعك أي: ما صيرك ممتنعا من السجود. وقد تقدم في آل عمران قوله في اختلاف الإعراب: {ثم لا ينصرون} ليبقى الفعل دالا على الحال والاستقبال. ومن توهيم التصحيف قول أبي الطيب المتنبي:
وإن الفيام التي حوله ** لتحسد أرجلها الأرؤس

فإن لفظة الأرجل أوهمت السامع أن المتنبي أراد القيام بالقاف، ومراده الفيام، وهي الجماعات، لأن الفيام يصدق على أقل الجمع، فتفوت المبالغة منه.

.[سورة الأعراف: الآيات 13- 16]

{قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)}.

.اللغة:

{الصَّاغِرِينَ} الصّغار بفتح الصاد: الذل والضيم. وقد صغر الرجل، من باب طرب، فهو صاغر، والصاغر أيضا: الراضي بالضيم.
{أَنْظِرْنِي}: أخّرني.

.الإعراب:

{قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها} جملة القول استئنافية، وفاهبط الفاء عاطفة لترتيب الأمر على ما ظهر من إبليس من المخالفة، وفما الفاء عاطفة أيضا، وما نافية أيضا، ويكون فعل مضارع تام لأنه متضمن معنى ينبغي أو يصح، ولك جار ومجرور متعلقان بيكون لأنه متضمن معنى يصح، وأن مع مدخولها في تأويل مصدر فاعل يكون، وفيها جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال {فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} الفاء عاطفة، لتأكيد الأمر بالهبوط، وإن واسمها، ومن الصاغرين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبرها، وجملة إن وما في حيزها في محل نصب حال، أي: ذليلا صاغرا.
{قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} جملة القول مستأنفة، وجملة أنظرني في محل نصب مقول القول، والى يوم جار ومجرور متعلقان بأنظرني، وجملة يبعثون في محل جر بالإضافة، ولهذا أعرب الظرف لإضافته لجملة معربة كما تقدم، ويبعثون فعل مضارع مبني للمجهول، والواو نائب فاعل {قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} جملة إنك من المنظرين في محل نصب مقول القول: {قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} الجملة مستأنفة أيضا، والفاء عاطفة، والباء حرف جر للسببية، وما مصدرية، والجار والمجرور متعلقان بفعل القسم المحذوف، ولا يجوز أن يتعلق الجار والمجرور ب {أقعدن}، لأن لام القسم تصد عن ذلك، لا نقول: واللّه لأمرن بزيد، والمعنى: فبسبب إغوائك أقسم. ويجوز أن تكون الباء للقسم، أي: فأقسم بإغوائك لأقعدن. وهي مع مجرورها متعلقان بفعله المحذوف، واللام واقعة في جواب القسم المحذوف، وأقعدن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ولهم جار ومجرور متعلقان بأقعدن، وصراطك نصب على الظرفية المكانية، وسيأتي المزيد من إعرابها في باب الفوائد، والمستقيم: صفة.

.الفوائد:

قال سيبويه في كتابه: وانتصاب {صراطك} على الظرفية، أي:
في صراطك المستقيم. وحكى سيبويه أيضا: ضرب زيد الظهر والبطن.
ورجح أبو حيان انتصابه بنزع الخافض.
عبارة أبي حيّان:
وانتصب صراطك على إسقاط على، قاله الزّجّاج، وشبهه بقول العرب: ضرب زيد الظهر والبطن، أي على الظهر والبطن.
وإسقاط حرف الجر لا ينقاس في مثل هذا، لا يقال: قعدت الخشبة تريد على الخشبة. قالوا: وعلى الظرف، كما قال الشاعر فيه:
كما عسل الطريق الثعلب

وهذا أيضا تخريج فيه ضعف، لأن {صراطك} ظرف مكان مختصّ، وكذلك الطريق، فلا يتعدى إليه الفعل إلا بواسطة في، وما جاء خلاف ذلك شاذ أو ضرورة. إلى أن يقول:
والأولى أن يضمن لأقعدنّ معنى ما يتعدّى بنفسه فينتصب الصراط على أنه مفعول به، والتقدير: لألزمن بقعودي صراطك المستقيم.
الزمخشري وافق سيبويه:
أما الزمخشري فوافق سيبويه قال: وانتصابه على الظرف كقول ساعدة بن جؤية يصف رمحا:
لدن بهز الكفّ يعسل متنه ** فيه كما عسل الطريق الثعلب

يصفه بأنه لين يضطرب صلبه بسبب هزه فلا يبس فيه كما عسل أي اضطرب الثعلب في الطريق. فحذف الجار من الثاني للضرورة.
وفي عسل معنى الدخول بسرعة.

.[سورة الأعراف: الآيات 17- 18]

{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُمًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}.

.اللغة:

{مَذْؤُمًا} في المختار: الذّأم: العيب يهمز ولا يهز، يقال: ذأمه من باب قطع إذا عابه وحقره، فهو مذءوم.
{مَدْحُورًا}: دحره: طرده وأبعده، وبابه قطع.

.الإعراب:

{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ} ثم حرف عطف للترتيب والمهلة، واللام موطّئة للقسم، وآتينهم: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، والفاعل ضمير مستتر، والهاء مفعول به، ومن بين أيديهم جار ومجرور متعلقان بآتينهم، أي: لآتينهم من الجهات الأربع الي يأتي منها العدو، ولكنه خالف بين حرفي الجر، فجعل الفعل في الأولين يتعدى بمن، وهي للابتداء، وفي الأخيرين بعن، وهي للمجاوزة، لأنه يتوجه من الأولين وينحرف من الآخرين متجاوزا، وسيأتي المزيد من التفصيل في باب البلاغة {وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ} الواو استئنافية أو عاطفة، فالجملة بعدها مستأنفة أو معطوفة، ولا نافية، وتجد فعل مضارع إمّا من الوجود بمعنى اللّقاء فيتعدّى لواحد، فيكون {أكثرهم} مفعولا به، وشاكرين حالا، وإما من الوجود بمعنى العلم فيكون قوله: {شاكرين} مفعولا به ثانيا {قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُمًا مَدْحُورًا} الجملة مستأنفة، وأخرج فعل أمر، ومنها جار ومجرور متعلقان باخرج، ومذءوما مدحورا حالان من فاعل اخرج والجملة مقول القول: {لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} اللام هي الموطئة للقسم المحذوف، ومن اسم شرط جازم في محل رفع، وتبعك فعل ماض في محل جزم فعل الشرط، ومنهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، ولأملأن اللام جواب القسم المدلول عليه بلام التوطئة، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه والجملة القسمية مستأنفة.
ويجوز أن تكون اللام لام الابتداء، ومن اسم موصول في محل رفع مبتدأ، وجملة تبعك صلة، ولأملأن جواب قسم محذوف، وذلك القسم وجوابه في محل رفع للمبتدأ، والتقدير: للذي تبعك منهم واللّه لأملأن جهنم منكم، وجهنم مفعول به، ومنكم جار ومجرور متعلقان بأملأن، وأجمعين تأكيد للضمير.

.البلاغة:

في هذه الآية فن المخالفة بين حرفي الجر، فقد ذكر الجهات الأربع، لأنها هي التي يأتي منها العدوّ عدوّه، ولهذا ترك جهة الفوق والتحت، وعدى الفعل إلى الجهتين الأوليين بمن، والى الأخريين بعن، لأن الغالب فيمن يأتي من قدام وخلف أن يكون متوجها بكليته، والغالب فيمن يأتي من جهة اليمين والشمال أن يكون منحرفا، فناسب في الأولين التعدية بحرف الابتداء، وفي الآخرين التعدية بحرف المجاوزة. وهو تمثيل لوسوسته وتسويله بمن يأتي حقيقة.
فصل رائع للزمخشري:
وفيما يلي فصل رائع للزمخشري بهذا الصدد، نقتبس منه الفقرات التالية، لما تضمنته من تجسيد حي، قال: فإن قلت: كيف قيل: {من بين أيديهم ومن خلفهم} بحرف الابتداء، وعن أيمانهم وعن شمائلهم بحرف المجاوزة؟ قلت: المفعول فيه عدي إليه الفعل نحو تعديته إلى المفعول به، فكما اختلفت حروف التغدية في ذاك اختلفت في هذا، وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس، وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط، فلما سمعناهم يقولون: جلس عن يمينه وعلى يمينه، وعن شماله وعلى شماله، قلنا: معنى على يمينه أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلي من المستعلى عليه، ومعنى عن يمينه أنه جلس متجافيا عن صاحب اليمين منحرفا عنه غير ملاصق له، ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره، ونحوه من المفعول به قولهم: رميت عن القوس، وعلى القوس، ومن القوس، لأن السهم يبعد عنها ويستعليها إذا وضع على كبدها للرمي ويبتدأ الرمي منها. وكذلك قالوا: جلس بين يديه وخلفه، بمعنى فيه، لأنهما ظرفان للفعل، ومن بين يديه ومن خلفه لأن الفعل يقع في بعض الجهتين، تقول: جئته من الليل تربد يعض الليل.